القنــــــاص - قصة قصيرة

القناص رجل صعب المراس.

القناص رجل يطبق كتيب التعليمات بدقة.

القناص رجل ينهض باكرا.

نعم، هو يحب النوم لأنه يزيد في وسامته. لكنه يدرك أن المهمة التي تنتظره دائما لا ترحم أصحابها. يجب أن تكون جاهزا في مواسم الصيد و في ساعاته المناسبة. عدا هذا، سيعيّرك الآخرون بالتأكيد و يسخروا منك.

اليوم، كعادته، استيقظ في السابعة و النصف صباحا. في الثامنة بالضبط كان يجهز عدة الصيد. بعد نصف ساعة، قبل أن يغادر، نظر إلى المرآة و ابتسم ابتسامة رجل راض عن نفسه.

هاهو ذا مكانه الذي يعشقه ينتظره. علاقة ود غريبة ولدت بينه و بين هذا المكان. فيه يمارس هوايته التي تحولت إلى حرفة. قلما يخطئ فرائسه من هنا. قلما تخطئ شباكه التي ينصبها ببراعة.

طلب قهوته الصباحية و احتساها بكل تلذذ. للقهوة أثرها الفعال جدا في مهمته التي لا يمكن أن تمارسها إلا بنشاط و حيوية.

هاهي ذي ضحيته قادمة في الموعد بالضبط. لقد راقبها لثلاثة أيام.

** ** **

النصيحة الأولى في كتيب التعليمات : أهم ما ينبغي أن يميز الضحية، أي ضحية: الضــــعف.

...

القناص، بخبرته، عرف أنها ضعيفة، مهزوزة. باختصار، هي تحتاج إليه. قبل أن تمر أمامه بحوالي عشرين مترا تقريبا بدأ الحديث في هاتفه المحمول. سب كثيرا من عماله و تحدث عن ملايينه التي يجب أن يسحبوها لمنحها للزبون الفلاني. قال أشياء كثيرة في ثواني معدودة. الضربة يجب أن تكون سريعة وفعالة و فتاكة أيضا.

من نظرتها عرف أن أول طعم قد أتى أكله. من تلك الالتفاتة السريعة عرف أنه نجح.

في الواقع، القناص رجل يجيد عمله.

** ** **

النصيحة الثانية: لا تطل فترة نصب الشباك. هاجم ضحيتك عند أقرب فرصة.

...

و الفرصة أتت متخفية كالعادة. كل الفرص تجيء على هذا الشكل. فوق رأسها عباءة بكل ألوان الدنيا حتى يستحيل عليك إدراك أنها كذلك. لكن القناص رجل يدرك جيدا ما يفعل.

كان المطر يهطل بشدة و كانت هي تسير بمحاذاة الجدران محتمية بالبراويز.

هنا، يجب أن نعترف أن القناص رجل فقير كصخرة، بل هو معدم. و لا بأس من إجلاء الضباب عن هذه الحقيقة أيضا: إن القناص يمارس حرفته من أجل هذا.

استطاع أن يجيد دوره كالعادة و حماها بمظليته و ابتدأ لعبته الأثيرة.

في المساء كان يجالسها في المقهى و يحكي لها عن كل الأشياء التي يمكن أن تجعله ضحية لا قناصا: الملايين التي لا تغنيه عن حنان يفتقده، زوجته التي لم تفهمه جيدا، أيضا عن الحادثة التي جعلته يبدو كأنه أعرج قليلا.

الضحية – التي لا تعلم أنها ضحية – امرأة طبعا. و النساء يحببن التعاطف بشدة خصوصا مع أصحاب الملايين.

في اليوم الأول دمعت عيناها لما يرويه.

في اليوم الثاني ربتت على رأسه بحنان.

** ** **

النصيحة الثالثة: إياك والتردد عند الوصول إلى اللحظة الحاسمة، أطلق رصاصتك بكل ثقة.

...

في اليوم الثالث قال لها أن كيد النساء – التي هي ليست من بينهن طبعا- عظيم. قال لها أن زوجته حجزت على أمواله بطريقة ما، و أنه يريد أن يدفع للمحامي لاستعادة كل أمواله و بالتالي إكمال حياته مع أروع مخلوقة في الوجود... معها.

أطرق برأسه و اصطنع دمعة تدرب عليها كثيرا. بكل بساطة، و كأي مسلسل عربي رديء، وعدته أنها ستحضر له المبلغ غدا. فكر أن الواقع يكون أكثر فظاعة من رداءة المسلسلات أحيانا.

** ** **

النصيحة الرابعة: إياك أن تسمح للفرحة بالظهور على ملامحك. بعض الضحايا يكن ذكيات أكثر من اللازم فيدركن الخدعة.

...

القناص – و هذا ما لم نقله – رجل يحب أن يعبر عن فرحته دائما. هكذا، ترك ضحيته لدقائق و ذهب إلى دورة المياه، ثم إنه انفجر ضاحكا بصمت . قام بعدة حركات خرقاء و هو يواصل كتم ضحكته. بعد أن استنفذ كل مشاعره عاد إلى مقعده بجوارها.

فقط كان هناك فارق بسيط بين المشهد السابق و الذي يليه : لقد غادرت الضحية المكان.

أما الملاحظة الأخرى الأكثر إيلاما هي أنها أخذت هاتفه المحمول و محفظته التي كان وضعها فوق المائدة إمعانا في توريطها في الثقة به.

لعل القناص لم يقرأ جيدا النصيحة الأخيرة : لا تترك ضحيتك و لا ثانية. لا أحد يعلم متى يمكن أن تصبح الأدوار متبادلة.

...

بصراحة، القناص رجل لا يحفظ دروسه جيدا.

لكنه مع ذلك، كما لا زال يصر البعض، رجل صعب المراس.

تعليقات

  1. hhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhh

    ردحذف
  2. بصراحة كان يستحق ذلك، فإن كان يحسب نفسه الذكي الوحيد في هذا العالم فهو مخطئ لأن الذكي دائما يوجد من هو أذكى منه وكما يقول المثل يضحك كثيرا من يضحك أخيرا هههههه..

    شكرا على هذه القصة التي اعتبرتها نصيحة لي حتى أنتبه و لا أثق بأي كان.

    ردحذف
  3. أعجبتني القصة...,الطيور على اشكالها تقع(-:

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كل الطرق تؤدي إلى... طنجة

مع مجموعة من الأصدقاء في مدينة حماة السورية

الطاكسي كحال