أنا... أنا... أنا

هناك مصيبة خطيرة تتجول بيننا قلما ننتبه لها إسمها العلمي هو: الميغالوثيميا.
تعريبها هو: تضخم الإحساس بالذات.
بدارجتنا الطنجاوية : التعنطيــــــزة.

هناك أشخاص بيننا يعتقدون أنهم الأهم والأفضل والأرقى، دون حتى وجود سبب ما يجعلهم يظنون ذلك. بمعنى أن الشخص الذي لديه مركز مهم لو شعر بالتضخم فسنفهم تصرفه..أقول نفهمه، لا نعذره.

لكن المصيبة هي أن أغلب الذين يعانون من هذا الداء هم من البسطاء الذين ترغمهم الحياة على التواجد في أماكن شعبية فتراهم يكادون يموتون غيظا وكأنه من المفروض أن يكونوا لوحدهم في أي مكان يذهبون إليه.

ولا سبيل للفهم سوى بضرب الأمثال كالعادة، لذا دعونا نقترب من هذا الشخص الذي يقف قرب الطاكسي الكبير واقفا ينتظر. ينتظر من؟ ينتظر شخصا سادسا كي يكتمل النصاب وينطلق الطاكسي على بركة الله. لكن لماذا لم يدخل ويجلس في الكرسي كعباد الله؟ حسنا، لاداعي لاستباق الأحداث، فهذا الشخص بالتأكيد سينزل في محطة قريبة، وهو لا يريد أن يزعجك لذا سيتركك تدخل أولا وسيجلس هو قرب الباب كي تسهل عملية نزوله. الأمر منطقي؟ نعم، جدا. وكلنا نفعل هذا.

لكن المفاجأة تحدث عندما يصل الطاكسي إلى آخر محطة وصاحبنا لم ينزل بعد. إذن، هو لم يدخل الطاكسي ليس للسبب المذكور آنفا. بل هو فقط يعتقد أنه أفضل من جميع الركاب وأنه ينبغي أن يجلس قرب الباب كي لا يضايقه الراكبان عن يمينه وعن شماله، قد يقبل براكب واحد، لكن عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد؟ هذا ما لا يطيقه.

ولماذا لا يطيقه؟

لأنه أفضل منا جميعا، ولأنه كان ينبغي أن يتنقل عن طريق طائرة خاصة، لكن الأقدار العنيدة رمته وسط أناس شعبيين بسطاء مثلنا. ألازلت لم تفهم هذا بعد؟

قولوا معي لاحول ولاقوة إلا بالله، وتعالوا نعش معا مثالا آخر:

ها أنت ذا تأخذ قهوتك المسائية يوم السبت في الرميلات بعيدا عن الضجيج والضوضاء وضغط العمل، فجأة تلاحظ صديقا عزيزا عليك يجلس بمقعد قريب مع مجموعة من الأشخاص لا تعرفهم. تنهض لتفاجأ صديقك وتسلم عليه فيرحب بك.. تتجاوزه لتسلم على أصدقائه فيبادلونك المصافحة بأفضل منها لكن أحدهم يسلم عليك واحدا من أغرب أنواع السلام في العالم... سلام المفاتيح. هل سمعت عنه؟ لا.

سأعرفك إياه إذن:

سلام المفاتيح ياعزيزي هو سلام الأشخاص المتضخمين الذين يؤمنون أن مكان مفاتيح السيارة ليس في الجيب بل في اليد، وطوال الوقت. لهذا هو ليس مستعدا للتخلي عنها لمجرد مصافحتك، لهذا يمد إليك يدا مضمومة ويسلم عليك بأصبع واحد ومفتاح، طبعا دون أن يكلف نفسه النظر إليك. والمفروض أن تفقد الوعي من فرط السعادة لأنه رضي أصلا بالسلام عليك.. الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

أما في زحام الأسواق الشعبية فيمكن أن تسمع أكثر من شخص يتأفف من الزحام ومن سيل البشر الذي لا ينتهي، فتسمع مثلا:

آه على دحاس.. تقول طنجة كاملة خرجت ليوما!!

وكأنه هو ليس من بين هؤلاء المتسببين في الزحام. لكن الخطأ خطأ الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع.. لماذا لم ينشروا بلاغا على أن فلان الفلاني سيخرج اليوم كي نبقى في منازلنا ويشاهد هو الدنيا على راحته؟ إننا سيكوباثيون جدا إن أردت الحقيقة، ونحب تعذيب الأشخاص اللطفاء الرقيقين مثله.

نصيحة أخيرة: إذا لاحظت أن أحدهم سيسلم عليك دون أن يكلف نفسه عناء وضع المفاتيح من يده، فأخرج أنت أيضا مفاتيحك ودع المفاتيح تتصافح.. ويا دار ما دخلك شر.

قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.

تعليقات

  1. بسم الله الرحمان الرحيم
    اعجبني موضوع لسببين
    1-انك تعالج معضلة لم يتطرق لها احد من قبل ( بالنسبة لي لم اقرأ عنها من قبل )
    2-ان الامثل التي ذكرتها حدثت معي و اكثر, فاغلب من امد يدي لهم للسلام بدعي انه لم يراك و يبقى يدك معلقا كانك تقول له " في سبيل الله "
    شكرا موضوع رائع

    ردحذف
  2. mawdo3 ra3i3 bitawfiiiii9 akhi "STITOU"

    ردحذف
  3. طنجاوييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي3 يونيو 2010 في 7:52 ص

    موضوع جميل جدا كالعادة كل المواضيع تتناول الواقع الذي نعيشه بالتوفيق وشكرا
    ننتظر المزيد

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الطاكسي كحال

كل الطرق تؤدي إلى... طنجة